منذ مدة ونحن نسمع ونقرأ، بين آونة وأخرى، أن فلانا انتحر، وفلانة انتحرت؛ أي عمد إلى قتل نفسه، وإزهاق روحه، ووضع حد لسني عمره، زهدا فيما تبقى منه، إن كان قد تبقى منه شيء.
وعادة الإنسان أنه يظلم، ويطغى، ويفسد، ويهلك الحرث والنسل، ويفتك، ويقتل، ويشعل الحرب والدمار، حتى يعيش فلا يموت، لينسأ في عمر، ويمد في أجله.. والآن هو الذي يختصر كل شيء، ويتجاوز كل شيء، فيقتل نفسه بيده، عن سابق إصرار وعمد، وعن قناعة كاملة ؟!!.
ما الذي يحدث بيننا ؟!!.. شباب وفتيات، في حال اكتمال العقل، والأمل بين أيديهم، لا يشكون عاهة، ولا أسرا، ولا ذلا، لماذا يقتلون أنفسهم ؟.
يمكث المرء يقلب في الأسباب:
أهي حالات نفسية ؟.. فهل ذلك مسوغ ؟، فلم لم ينتحر نزلاء المستشفيات النفسية ؟.
أهي أوضاع اقتصادية ؟.. فهؤلاء الفقراء يملؤون العالم، كان عليهم أن ينتحروا هم أيضا.
أهي أوضاع أسرية ؟.. أفلم يجد هؤلاء طريقة لحل هذه الأوضاع إلا الفرار إلى الموت.
أم هي حالات شيطانية، استثمرت تلك الحالات السيئة المحبطة، فوسوست بالتخلص منها والخروج بلا عودة، فزينت الموت، كما زينته لعبدة الشيطان، وهم ثلة من المترفين، الذين ملوا الحياة ؟.
في السابق كنا نسمع ذلك يحدث في الغرب، وأخص بالذكر الدول الغنية، كالدول الإسكندنافية، التي توفر كل شيء لشعوبها، من مال، وجنس، وخمر، وملاهي، وملذات. فيتساءل المتعلمون: كيف ينتحرون وبين أيديهم كل أدوات النعيم ؟.
فيجيبهم العالمون: ذلك لأنهم عمروا دنياهم، وخربوا آخرتهم.. ولأنهم أقبلوا على لذات البدن، وتركوا غذاء الروح.. فسجنت أرواحهم في أبدان آثمة، مليئة بالخطايا، فلم يعد بوسعها أن تتزكى، فتملكهم الشيطان، فساقهم في طريقه، وصار آمرا لهم وناهيا، فكان من أمره إليهم أن يقتلوا أنفسهم.
هكذا كانوا يجيبون، يوم لم يكن عندنا ما عند الغرب من البلايا، لكن أخبارهم كانت تأتينا، فنسمعها ونقرؤها، أما اليوم فإن بعض تلك البلايا تسربت إلينا.. فهل كان ذلك هو السبب ؟.
عندنا جواب سهل وواضح لهذه المشكلة، هو قوله تعالى:
- {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}.
التارك لذكر الله تعالى، المعرض عنه، في معيشة ضنك؛ أي شقاء، وتعب، وألم نفسي، وعذاب روحي، كما في قوله تعالى:
- {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}.
فهذا المعرض عن ذكر الله تعالى له من العذابات النفسية، كما أخبر الله تعالى، ومن أصدق منه قيلا، ومن أصدق منه حديثا: الضنك، والضيق؛ كضيق المتنفس إذا قل عنده الأوكسجين، والخوف؛ كخوف الساقط من السماء، والجوارح الكواسر من الطير تتخطفه، تفترسه، فإن نجا منها هوت به الريح في واد سحيق..
روى البخاري بسنده عن رسول الله عليه الصلاة السلام قال:
- (من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم، يتردى فيها، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما، فقتل نفسه، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها في بطنه، في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا).
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما}.
د. لطف الله خوجه